خير هي الوحيدة في اللغة العربية التي يساوي الإسم فيها أفعل التفضيل. . فأنت تقول هذا فاضل وهذا مفضول عليه. . كلمة خير إسم تفضيل فيقال ذلك خير من كذا. . أي واحد منهما يعطي أكثر من الآخر. . وكلمة خير إذا لم يأت مقابلها أي خير من كذا يكون مقابلها شر. . فإذا قلت فلان خير من فلان. . فكلاهما إشترك في الخير ولكن بدرجة مختلفة. . والخير هو ما يأتي لك بالنفع. . ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس. . واحد ينظر إلى النفع العاجل وآخر ينظر إلى النفع الآجل. . وفي ظاهر الأمر كل منهما أراد خيرا.
وإذا أردنا أن نقرب ذلك إلى الأذهان فلنقل إن هناك أخوين أحدهما يستيقظ مبكراً ليذهب إلى مدرسته والثاني ينام حتى الضحى، ويخرج من البيت ليجلس على المقهى. . الأول يحب الخير لنفسه والثاني يحب الخير لنفسه والخلاف في تقييم الخير. . الكسول يحب الخير العاجل فيعطي نفسه حظها من النوم والترفيه وعدم العمل. . والمجتهد يحب الخير الآجل لنفسه لذلك يتعب ويشقى سنوات الدراسة حتى يرتاح بعد ذلك ويحقق مستقبلا مرموقا.
الفلاح الذي يزرع ويذهب إلى حقله في الصباح الباكر ويروي ويبذر الحب ويشقى، يأتيه في آخر العام محصول وافر وخير كثير.
. والفلاح الذي يجلس على المقهى طول النهار أعطى نفسه خير الراحة، ولكن ساعة الحصاد يحصد الندم.
إذن كل الناس يحبون الخير ولكن نظرتهم ومقاييسهم تختلف. . فمنهم من يريد متعة اليوم، ومنهم من يعمل لأجل متعة الغد. . والله تبارك وتعالى حين يأمرنا بالخير. . قد يكون الخير متعبا للجسد والنفس. . ولكن النهاية متاع أبدي في جنة الخلد. إذن فالخير الحقيقي هو ما جاء به الشرع. . لماذا؟ لأن الخير هو ما ليس بعده بعد. . فأنت تولد ثم تكبر ثم تتخرج في الجامعة. . ثم تصبح في أعلى المناصب ثم تموت ثم تبعث ثم تدخل الجنة. . وبعدها لا شيء إلا الخلود في النعيم.
قوله تعالى:{لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} . . الله ينفي عنهم العلم بينما في الآية السابقة أثبت لهم العلم في قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} . . نقول إن العلم الذي لا يخضع حركة الإنسان له فكأنه لم يعلم شيئا. .