اعترض الكفار على نزول القرآن على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا لو نزل على رجل من القريتين عظيم. . فيرد عليهم سبحانه وتعالى. . أنتم لا تقسمون رحمة الله ولكن الله يقسم بينكم حياتكم في الدنيا.
الحق تبارك وتعالى في الآية التي نحن بصددها يقول:{والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} . . ساعة تقرأ كلمة يختص تفهم أن شيئا خصص لشيء دون غيره. . يعني أنني خصصت فلانا بهذا الشيء:{والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} . . أي يعطي الرحمة لمن يشاء لكي يؤدي مهمته أو ينزل رحمته على من يشاء، فليس لهؤلاء الكفار أن يتحكموا في مشيئة الله، وحسدهم وكراهيتهم للمؤمنين لا يعطيهم حق التحكم في رحمة الله. . ولذلك أراد الله أن يرد عليهم بأن هذا الدين سينتشر ويزداد المؤمنون به. . وسيفتح الله به أقطارا ودولا. . وسيدخل الناس فيه أفواجا وسيظهره على الدين كله.
ولو تأملنا أسباب انتصار أي عدو على من يعاديه لوجدنا إنها إما أسباب ظاهرة واضحة وإما مكر وخداع. . بحيث يظهر العدو لعدوه أنه يحبه ويكيد له في الخفاء حتى يتمكن منه فيقتله. . ولقد هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المدينة سرا. . لماذا؟ لأن الله أراد أن يقول لقريش لن تقدروا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولو بالمكر والخداع والتبييت. . هم بيتوا الفتية ليقتلوه. . وجاءوا من كل قبيلة بفتى ليضيع دمه بين القبائل. . وخرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووضع التراب على رءوس الفتية. . الله أرادهم أن يعرفوا أنهم لن يقدروا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالمكر والتبييت والخداع ولا بالعداء الظاهر.
قوله تعالى:{والله ذُو الفضل العظيم} . . الفضل هو الأمر الزائد عن حاجتك الضرورية.
. ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«من كان معه فضل ظهر فَلْيَعُدْ به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له»