للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العملية وكان أمرها شاقاً عليه؛ لأن المسألة تقتضي التقاءات مَلَكية ببشرية، ولابد أن يحدث تفاعل، وهذا التفاعل الذي كان يظهر على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيحمر وجهه، ويتصبب منه العرق، وبعد ذلك يقول: زملوني زملوني ودثروني، وإن كان قاعداً وركبته على ركبة أحد بجانبه فيشعر جاره بالثقل، وإن كان على دابة تئط وتئن تعباً، لأن التقاء الوحي برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحتاج إلى أمرين: إما أن يتحول الوحي وهو حامل الرسالة إلى بشرية مماثلة لبشرية الرسول، وإما أن الرسول ينتقل إلى ملائكية تتناسب مع استقباله للملك. وهكذا كان التقاؤه بالملكية يتطلب انفعالاً وتفاعلاً.

لكن لما أنس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالوحي عرف حلاوة استقباله نسي المتاعب، ولذلك عندما فتر الوحي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اشتاق إليه. وكان الوحي من قبل ذلك يتعبه، ويجهده، فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبقى في نفسه حلاوة ما أوحي به إليه، وتهدأ نفسه وترتاح ويشتاق إلى الوحي، فإذا ما استقبل الوحي بشوق فلن يتذكر المتاعب. { ... وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: ١٦٤]

إذن مادة الوزر هي الثقل بمشقة، أي لا يحمل إنسان مشقة ثقيلة عن آخر؛ فالمسئولية لا تتعدى إلا إذا تعدى الفعل، وعرفنا من قبل الفارق بين من ضل في ذاته، ومن أضل غيره ليحمل أوزاره مع أوزارهم لتعديه بإضلالهم. وسنعود جميعاً إلى ربنا لينبئنا بما كنا فيه نختلف.

ويقول جل وعلا بعد ذلك: {وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ ... }

<<  <  ج: ص:  >  >>