وأبلغنا سبحانه بقصة خلق آدم، وكيفية خلق حوّاء فهل أخذ جزءًا من آدم وخلق منه حوّاء؟ قد يصح ذلك، أو خلق منها زوجها ويكون المقصود به أنه خلقها من الجنس نفسه وبالطريقة نفسها؟ وذلك يصح أيضا، فسبحانه قد اكتفى بذكر خلق آدم عن ذكر خلق حوّاء، وأعطانا النموذج في واحد، وقال:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} .
و {مِنْهَا} في هذه الآية يحتمل أن تكون غير تبعيضية، مثلها مثل قوله الحق:«رسول من أنفسكم» .
فسبحانه لم يأخذ قطعة من العرب وقال: إنها «محمد» ، بل جعل محمدًّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الجنس نفسه خلقاً وإيجاداً، وسبحانه حين يتكلم هنا يقول للملائكة:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً ... }[البقرة: ٣٠]
وهذا أول بلاغ، ثم اتبع ذلك:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر: ٢٩]
إذن فقبل النفخ في الروح ستوجد تسوية، فلمن تحدث التسوية، ومن هو «المسوّى منه» ؟ . إن التسوية لآدم. وجاء القول بأنه من صلصال، ومن حمأ مسنون، ومن تراب، ومن طين؛ إنّها مراحل متعددة، فإن قال سبحانه عن آدم: إنه تراب، نقول: نعم، وإن قال:«من ماء» نقول: نعم، وإن قال «من طين» فهذا قول حق؛ لأن الماء حين يختلط بالتراب يصير طيناً. وإن قال:{مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ، فهذا جائز؛ لأن الحمأ طينٌ اختمر فتغيرت رائحته ثم جف وصار صلصالاً. إذن فهي مراحل متعددة للخلق، ثم قال الحق:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} .
وهكذا تكتمل فصول الخلق، ثم قال:{فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} .