ويقول العلماء: إن المراد من السجود هو الخضوع والتعظيم، وليس السجود كما نعرفه، وقال البعض الآخر: المراد بالسجود هو السجود الذي نعرفه، وأن آدم كان كالقبلة مثل الكعبة التي نتجه إليها عند الصلاة. ولكنْ لنا هنا ملاحظة، ونقول: إننا لا نسجد إلا الله، ومادام ربنا قد قال: اسجدوا فالسجود هنا هو امتثال لأمر خالق آدم. والنية إذن لم تكن عبادة لآدم، ولكنها طاعة لأمر الله الأول. والأمر بالسجود لآدم قد أراده الله؛ لأنه سبحانه سخر الكون كله لخدمة آدم، ومن الملائكة مدبرات أمر، ومنهم حفظة، ومنهم من هو بين يدي الله، فلم يكن السجود للملائكة خضوعاً من الملائكة لآدم، بل هو طاعة لأمر الله، ولذلك سجد من الملائكة الموكلون بالأرض وخدمة الإنسان، لكنْ الملائكة المقربون لا يدرون شيئاُ عن أمر آدم، ولذلك يقول الحق لإِبليس:{ ... أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} [ص: ٧٥}
والمقصود بالعالين الملائكة الذين لم يشهدوا أمر السجود لآدم، فليس للملائكة العالين عمل مع آدم؛ لأن الأمر بالسجود قد صدر لمن لهم عمل مع آدم وذريته والذين يقول فيهم الحق سبحانه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ... }[الرعد: ١١]
وهناك الرقيب، والعتيد والقعيد. وفي كل ظاهرة من ظواهر الكون هناك ملك مخصوص بها، ويبلغنا الحق بمسألة الخلق، والخطاب لنا {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} وهذا ترتيب اخباري، وليس ترتيباً للأحداث. أو أن الحق سبحانه وتعالى طمر الخلق جميعاً في خلق آدم، والعلم الحديث يعطينا أيضاً مؤشرات على ذلك، حين يأتون ببذرة ويكتشفون فيها كل مقومات الثمرة، وكذلك الحيوان المنوي توجد فيه كل صفات الإنسان.
ولذلك نجدهم حين يدرسون قانون الوراثة يقولون: إن حياة كل منا تتسلسل عن آخر، فأنت من ميكروب أبيك، وقد نزل من والدك وهو حي، ولو أنه نزل ميتاً لما اتصل الوجود. ووالدك جاء من ميكروب جده وهو حي، وعلى ذلك فكل مكائن الآن فيه