على هذا العنت؛ فلم يقل الحق لأتباع محمد: إنكم مقبلون على أمر والأرض مفروشة لكم بالورود، لا. إنما هي متاعب لتجابهوا شر الشيطان في الأرض. والقصص له أكثر من هدى يثبت به فؤاد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويبين له أنه ليس بدعاً من الرسل، ويقوي نفوس أتباعه، لأنهم حينما يرون أن أهل الحق مع الأنبياء انتصروا، وهزم الجميع ووليّ الدبر، وأنهم منصورون دائما فهذا يقوي يقين المؤمنين، ويكسر من جهة أخرى نفوس الكافرين مثلما قال الحق عن واحد من أكابر قريش. {سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} .
قال الحق لهم ذلك عن واحد من أكابر قريش وهم لا يقدرون حينئذ أن يدافعوا أو يذودوا عن أنفسهم، وذهبوا وهاجروا إلى الحبشة حماية لأنفسهم من بطش هؤلاء الأكابر، وكل مؤمن يبحث له عمن يحميه، وينزل قوله الحق بعد ذلك في الوليد بن المغيرة {سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} ، والوليد بن المغيرة سيد قومه، ويأتي يوم بدر فيوجد أنفه وقد ضرب وخطم ويتحقق قول الله:{سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم}[القلم: ١٦]
فمن - إذن - يحدد ضربة قتال بسيف في يد مقاتل قبل أن يبدأ القتال؟ لقد حددها الأعلم بما يكون عليه الأمر.
وأيضا فقصص الرسل إنما جيء بها ليثبت للمعاصرين له أنه تلقى القرآن من الله؛ لأنه رسول أميّ؛ الأمة أمية، ولم يدّع أحد من خصومه أنه جلس إلى معلم، أو قرأ كتاباً، فمن أين جاءته هذه الأخبار إذن؟
واسمع قول الحق سبحانه وتعالى في الآيات التي يأتي فيها:«ما كنت» مثل قوله الحق: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر ... }[القصص: ٤٤]