فمن أين جاءت هذه الأخبار إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهم يعلمون أنه لم يجلس إلى معلم ولم يقرأ كتاباً؟ لقد جاءت كلها من الحق سبحانه وتعالى، وهذا دليل آخر على صدق رسالته.
وقصة سيدنا نوح من القصص التي وردت كثيراً في القرآن الكريم مثل قصة موسى عليه السلام، ومن العجيب أن لقطات القصة تنتشر في بعض السور، لكن السورة التي سميت بسورة نوح ليس فيها من المواقف التي تعتبر من عيون القصة، إنها تعالج لقطات أخرى؛ تعالج إلحاحه في دعوة قومه، وأنه ما قصّر في دعوتهم ليلاً ونهاراً، وسرّاً وعلانية، كلما دعاهم ابتعدوا، ولم تأت قصة المركب في سورة نوح، ولا قصة الطوفان، وهذه لقطات من عيون القصة، وكذلك لم تأت فيها قصته مع ابنه، بل جاء بها في سورة هود.
إذن كل لقطة جاءت لوضع مقصود، ولهذا رأينا قصة نوح في سورة «نوح» وقد خلت من عناصر مهمة في القصة، وجاءت هذه العناصر في سورة «هود» أو في سورة «الأعراف» التي نتناولها الآن بالخواطر الإِيمانية.
إذن، كل قصة من القصص القرآني تجدها قد جاءت تخدم فكرة، ومجموعها يعطي كل القصة؛ لأن الحق حين يورد القصص فهو يأتي بلقطة في سورة لتخدم موقفاً، ولقطة أخرى تخدم موقفاً آخر وهكذا. وحين شاء أن يرسل لنا قصة محبوكة تماماً، جاء بقصة «يوسف» في سورة يوسف ولم يكررها في القرآن، لأنها مستوفية في سورة يوسف، اللهم إلا في آية واحدة:{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً ... }[غافر: ٣٤]