وقول موسى آمنوا بالكتاب الآخر، هو الذي يدل عليه قول الحق سبحانه:{قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط ... }[البقرة: ١٣٦]
ويذيل الحق الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله:
{واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . و «لعل» رجاء وطلب. ونعلم أن كل طلب يتعلق بأحد أمرين: إما طلب لمحال لكنك تطلبه لتدل بذلك على أنك تحبه، وهو لون من التمني مثل قول من قال: ليت الشباب يعود يوماً، إنه يعلم أن الشباب لا يعود لكنه يقول ذلك ليشعرك بأنه يحب الشباب. أو كقول إنسان: ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها عقود مدح، وهذا طلب لمحال، إلا أنه يريد أن يشعرك بأن هذا أمر يحبه، إمَّا طلب ممكن التحقيق. وهو ما يسمى بالرجاء. وله مراحل: فأنت حين ترجو لإِنسان كذا، تقول: لعل فلاناً يعطيك كذا، والإِدخال في باب الرجاء أن تقول: لعلي أعطيك؛ لأن الرجاء منك أنت، وأنت الذي تقوله، ومع ذلك قد لا تستطيع تحقيقه، والأقوى أن تقول: لعل الله يعطيك. أما الله يعطيك. ولكنها من كلامك أنت فقد يستجيب الله لك وقد لا يستجيب، أما إذا قال الله: لعلكم، فهذا أرجي الرجاءات، ولابد أن يتحقق.
وحينما يتكلم الحق عن قوم موسى، يتكلم عنهم بعرض قصصهم، وفضائحهم للعهد بعد نعم الله الواسعة الكثيرة عليهم، وأوضح لنا: إياكم أن تأخذوا هذا الحكم عاماً؛ لأن الحكم لو كان عاماً، لما وُجد من أمة موسى من يؤمن بمحمد. ولذلك قلنا قديماً إن هناك ما يسمى «صيانة الاحتمال» . ومثال على ذلك نجد من اليهود من آمنوا برسالة رسول الله مثل مخريق الذي قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «مخريق خير يهود» . وعبد الله بن سلام إن بعض اليهود كانوا مشغولين بقضية الإِيمان، ولذلك لا تأخذ المسألة كحكم عام؛ لأن من قوم موسى من يصفهم الحق بالقول الكريم: