أن نخرجه عما ألف وما يكره من الأساليب، ولذلك قلنا: إن النصح ثقيل، لأنك حين تنصح إنسانا فمعنى ذلك أنك افترضت أنك أفضل سلوكاً منه، وهو أقل منك في ذلك، وهذا هو أول مطب، وينظر لك المنصوح على أنك تفهم أحسن منه. ولهذا قالوا في الأثر: النصح ثقيل فلا ترسله جبلا، ولا تجعله جدلاً. وقيل أيضا: الحقائق مرة فاستعيروا لها خفة البيان. هكذا يكون التذكير، وإن لم تستطع أن تمنع بالفعل فامنع بالقول؛ لأن التغيير باليد يحتاج إلى سلطة المغيِّر على المغيَّر، وهذا لا يأتي إلا بأن يكون للمغير مقدمة وسابقة مع المغيَّر يثبت فيها المغيِّر أنه يحب مصلحة المغيَّر. وقد يكون ذلك وارداً من غير أن تقول. كأن تكون أباه أو أمه، والأب والأم يقومان برعاية الابن، وتلبية احتياجاته طعاماً ومشرباً ومسكناً ومصروفاً. وكل منهما هو المتولي لمصالح الابن. وإذا كان الناصح ليس له هذه الصلة بالمنصوح، فعليه أن يتلطف له أولاً بما يحب. فحين يطلب منك أمراً تقوم بإجابته إلى طلبه، وتنبهه بعد ذلك إلى ما تريد أن تنصحه إنك قد قدمت له شيئاً من المعروف فيتحمل منك النصح.
ومثال آخر: افرض أن ابنك قد طلب منك أن تحضر له ساعة، وبعد ذلك قالت لك أمه: إنه لم يستذكر دروسه حتى الآن. ثم تأتي له بالساعة وتقول له: يا ولد أنت أردت مني ساعة وأحضرتها لك، وتناولها له وتقول: إن أمك قالت لي إنك غير مهتم بدروسك، ولو تذكرت قولها لما أحضرت لك الساعة.
وقد توجه له توبيخاً فيضحك لأنك قد حننت قلبه، وبينت له أنك تحبه فيقبل النصح، حتى ولو صفعته قد يقبل لأنه يعلم أنك تحب مصلحته. إذن للتذكير ألوان متعددة: عظة بالقول، وتغيير بالفعل وإنكار بالقلب.
{واذكروا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والأصل في التقوى أن تتقي شيئاً بشيء؛ تتقي مؤلماً بجعل وقاية بينك وبينه، وهي تأتي كما علمنا في المتقابلات؛ فالحق سبحانه يقول:{واتقوا النار التي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عمران: ١٣١]