للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمراد بالتقوى هنا أن تكون التزاما بالأحكام؛ وقمة الالتزام بالأحكام هي الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ، وإذا وجد الاثنان؛ الإيمان بالله والالتزام بالأحكام، لا بد أن يتحقق وعد الله المتنثل في قوله تعالى

{يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله ذُو الفضل العظيم} [الأنفال: ٢٩] .

والفرقان من مادة «فرق» «الفاء والراء والقاف» ، وتأتي دائماً للفصل بين شيئين، مثلما ضرب موسى البحر بعصاه فكان كل فِرْق كالطود العظيم. وسبحانه وتعالى يقول: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} [البقرة: ٥٠] .

أي نزع الله سبحانه الاتصال بين متصلين فصار بينهما فرق كبير.

وافرض - على سبيل المثال - أنك أحضرت ثوباً من قماشٍ مُتَساوٍ في النسيج واللون، ثم شققت من الثوب جزءاً منه؛ هنا لا يقال إنك فرقت بين القطعتين، بل فصلت بينهما، لكن لا يقال فِرْق إلا إذا كان الفصل يؤدي إلى فرقتين؛ فِرقة هنا، وفِرقة هناك وهذه أشياء ومتعلقات، وتلك لها أشياء ومتعلقات.

إذن فالفرق ليس هو الفصل بين متلاحمين فقط، بل هو فصل يؤدي إلى أن يكون لكل فرقة منهج، ومذهب، ورأي.

و {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} أي يفصل بين شيئين لم يكن يوجد بينهما اتفاق؛ لأنه لو كان بينهما اتفاق لصارا فرقة واحدة، لكن لأنهما مختلفات لذلك لا بد من وجود تناقض بينهما. وهنا يقول الحق تبارك وتعالى: إنه يجعل لكم فرقاناً، مثال ذلك، هناك من يهتدي، وهناك من يضل. وبطبيعة الحال يوجد فرق بين الهدى وبين الضلال. فالله شرح صدر المتهدي للإسلام، وجعل صدر

<<  <  ج: ص:  >  >>