فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ البيت، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال أناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، ثم خرج فقال: إن الله تعالى ليلين قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله تعالى ليشد قلوب أقوام فيه حتى تكون أشد من الحجارة. مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال:{فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[إبراهيم: ٣٦] ، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال:{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}[المائدة: ١١٨] ، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال:{رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً}[نوح: ٢٦] ومثلك في الأنبياء مثل موسى، إذ قال:{رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم}[يونس: ٨٨] لو اتفقتما ما خالفتكما، أنتم عالة فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، ومن بين الأسرى كان عدد من أغنياء قريش.
وسبق له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن استشار الصحابة في معركة بدر. وحدث أن اختار رسول الله صلى الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أماكن جيش المسلمين، فتقدم أحد الصحابة وهو الحباب بن المنذر بن الجموح إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال له يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ .
فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فأشار الحباب بن المنذر بتغيير موقع المسلمين ليكون الماء وراءهم فيشربوا هم ولا يشرب الكفار.