إذن فالعباس قد وقف موقفاً لا بد أن يجازى بمثله، ورغم أنه كان كافراً وقتئذ، إلا أن الكفر لم يمنع عاطفة العباس أن ينجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وكذلك رد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الموقف بمثله؛ لأن المبدأ الإسلامي واضح في قول الحق:{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ}[النساء: ٨٦] .
فلا يؤخذ هذا التصرف - إذن - على أنه مجاملة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لعمه، ولكنها حق على رسول الله من موقف العباس في بيعة العقبة.
وقال له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يا عباس افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عقبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال. فقال: يا رسول الله إني كنت مسلماً ولكن القوم استكرهوني. فقال رسول الله: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك به. أما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك. وكان المسلمون قد أخذوا من العباس عشرين أوقية من ذهب كغنيمة، فقال العباس: يا رسول الله احسبها لي في فدائي، فقال الرسول: لا، ذلك شيء أعطاناه الله عَزَّ وَجَلَّ منك. قال العباس: فإنه ليس لي مال. لقد جعلتني يا محمد أتكفف قريشاً، فضحك النبي وقال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من عند أم الفضل بنت الحارث ليس معكما أحد، ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا؛ فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله كذا وكذا. قال العباس: والذي بعثك بالحق ما علم هذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله. ففدى العباس نفسه بأربعة آلاف درهم، وفدى كلا من ابني أخيه وحليفه بألف لكل منهم.
إذن ففي التقييم المادي دفع العباس أربعة أمثال ما دفعه الأسير العادي كفدية.