فالله سبحانه وتعالى تفضل على خلقه في الأرض فأرسل إليهم رسوله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكان ذلك بعد أن مرت فترة طويلة على إرسال من سبقوه من الرسل. وكان الناس قد نسوا منهج السماء، بل وحرَّف أهل الكتاب ما نزل إليهم من تعاليم.
وكان لا بد أن تتدخل السماء بإرسال خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قد جعل في الإيمان مناعات متعددة، توجد أولا في النفس، فحين تستشرف النفس إلى معصية، فالضمير الإيماني ما زال موجوداً فيها، وهذا الإيمان هو الذي يكبح الشهوة ويمنع النفس من الركون إلى المعصية ويرد صاحبه إلى الطريق الصحيح والمنهج السوي.
وهب أن نفساً ولعت بمخالفة المنج ولم تعد نفسا لوامة، وتظل ترتكب المعاصي حتى تعتاد على المعصية، ويموت فيها الوازع الإيماني، فتجدها قد عشقت - والعياذ بالله - مخالفة المنهج، بل أصبحت نفساً أمارة بالسوء، وهنا ينقل الله المناعة الإيمانية من النفس إلى المحيطين بها من عباد الله، فتجد المحيطين بمرتكب المعاصي يردعونه عن المعصية، ويقفون منه مواقف الإيمان من الردع والمقاطعة والجفوة حتى يفيء إلى ربه يعود إلى رشده. وتلك مرحلة ثانية من مراحل الإيمان. أما إن فسد المجتمع كله ولم تعد هناك طائفة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فلا بد أن تتدخل السماء برسالة جديدة وبرسول جديد مؤيد بمعجزة من السماء ليوقظ الناس من هذا السبات العميق الذي شمل الأفراد والمجتمعات.
وعندما جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ وواجه هذا المجتمع الذي انتشر فيه الكفر أفراداً وجماعات كان لا بد أن يحدث تصادم بين الإيمان ومجتمع الكفر؛ ذلك أن