العداوة الشرسة واجهت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وهذه المواجهة للرسول إنما جاءت من المنتفعين بالفساد في الأرض. والمنتفعون بالفساد هم السادة الذين استفادوا من ضياع الحق وانتشار الباطل فأخذوا حقوق غيرهم واستعبدوا الناس، واستأثروا هم بالمنافع وبما فيه الخير لهم ومنعوا ذلك عن باقي عباد الله.
والمنتفعون بالفساد يكرهون أي مصلح جاء ليعدل ميزان حركة الحياة في الكون. فلا بد أن يقفوا في وجهه؛ ليدافعوا عن سيادتهم وعن منافعهم وأموالهم التي حصلوا عليها بالباطل والظلم، ومن استعبادهم للناس. وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت مكونة من قبائل متعددة، وكان لكل قبيلة قانونها الذي يضعه شيخها ليستأثر لنفسه بكل شيء.
ومعنى ذلك أنه لا توجد رابطة تربط بين هذه القبائل، ولا يوجد قانون عام يحكمها، وكل قبيلة لها عزوتها ولها شوكتها ولها حروبها. وكل فرد في قبيلة لا بد أن يكون مقاتلا يحمل سلاحه مستعدا للحرب في أي وقت، لأنه مهدد في أي لحظة أن تغير عليه قبيلة أخرى، إلا قبيلة واحدة هي قريش. فقد أخذت السيادة ولا يعتدي عليها أحد ولا تُهَاجَم قوافلها، ولا تستطيع قبيلة في الشمال أو في الجنوب أن تهاجم تجارتها؛ لأن هذه القبائل كلها ستأتي في يوم من الأيام قاصدة حج بيت الله الحرام في مكة. وخلال الحج تكون هذه القبائل في حاجة إلى الأمان من قريش؛ ولذلك حرصت كل قبائل العرب أن تحافظ على علاقتها مع قريش، لأن السيادة على بيت الله الحرام التي جعلها الله لقريش هي الضمان. وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحماية البيت الحرام من أي عدوان، حتى عندما جاء أبرهة بأفياله ليهدم الكعبة؛ جعله الله هو وجيشه كعصف مأكول مصداقاً لقوله الحق تبارك وتعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[الفيل: ١ - ٥] .