هم إذن قد أقروا لحظة الخلق الأولى بوحدانية الله وعاهدوا الله تعالى على ذلك، لكنهم كفروا بتلك الشهادة وأشركوا به سبحانه ووضعوا في بيت الله الحرام أصناما. وادعوا الكذب وقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى}[الزمر: ٣] .
وهذا هو الإشراك بعينه، وهذه هي شهادتهم على أنفسهم بالكفر.
{أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ على أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}[التوبة: ١٧] .
والمسجد - كما نعلم - هو المكان الذي نسجد فيه، وكل بقعة في الأرض بالنسبة للمسلمين تصلح للسجود وتعتبر مسجدا، وهذا مما خص به الله تعالى أمة الإسلام، ويقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فَلْيُصَل، وأُحلَّتْ لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» .
فهذا الحديث يبين أن مما خص الله به الأمة المحمدية أن جعل لها كل بقاع الأرض صالحة لأداء الصلاة فيها، كما جعل لها الأرض أيضا طهوراً، ويكفي المسلم أن يتيمم من الأرض ويصلي عليها، ولكنْ هناك فارق بين مكان يصلح لك أن تصلي فيه، وأن تباشر نشاط حياتك، وبين مكان مخصص للعبادة، فالحق الذي تزرع فيه، لك أن تصلي فيه وتزرع، والمصنع لك أن تصلي فيه، ولك أن تصنع، وكذلك المدرسة لك أن تتعلم فيها، ولك أن تصلي فيها، وهذه كلها مساجد بالمعنى العام، وهي أماكن سجود لله تعالى، لكن كلمة «مسجد» إذا أطلقت انصرفت إلى الحيز المحدود من المكان الذي أخرج من نشاطات الحياة كلها، وخُصّ بأن يكون للصلاة والسجود فقط، فإذا