للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيزت مكاناً بخط أبيض من الجير، أو حيزته بسلك وقلت: هذا مسجد، فلا يزاول فيه نشاط إلاَّ الصلاة، هذا هو المسجد الاصطلاحي الشرعي.

وكل بيت لله بنيته في أي مكان يسمى مسجدا، وقبلة المساجد المنتشرة في بقاع الأرض هي المسجد الحرام؛ فهي أماكن حيزت للمسجدية، أو للعبادة، أو للصلاة وليست لغير ذلك من حركات الحياة، ولكن تحييز المكان كان باختيار البشر. وقبلته المسجد الحرام وهو المسجد الجامع الأكبر باختيار الله تعالى، والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٦] .

ولأن هذا البيت الحرام هو باختيار الله، وموضوع للناس. فلنا أن نسأل: هل الناس هم الذين وضعوه؟ لا، بل وضعه غير الناس، لأن تعريف الناس هم آدم وذريته، ولا بد إذن أنه موضوع قبل آدم، وبمنطق القرآن الكريم وجد البيت من قبل آدم، وإذا تعمقنا قليلا، نجد أن هذا البيت الحرام هو {هُدًى لِّلْعَالَمِينَ} ومن العالمين الملائكة.

وهكذا نرى أن قول بعض القوم: إن إبراهيم هو الذي حدد مكان وقواعد البيت، قول لا يثبت صدقه، لأن البيت هو المكان لا المكين، فالبيت ليس هو الحجر أو المبنى، وهو ما نسميه الكعبة، فالكعبة هي «المكين» أما البيت فهو المكان الذي أقيمت فيه الكعبة؛ لأنه إن جاء سيل وأزال الكعبة، جعلها أرضاً مسطحة فأين نصلي؟ نصلي إلى اتجاه المكان، فالسيل يُذْهِبُ المكين لكن المكان باق.

وعندما جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام كان أثر البيت ضائعا، وأمره ربنا أن يرفع البيت، ولم يقل له: حدد المكان، بل أمره أن يبني البعد الثالث؛ لأن كل حيز له بعدان؛ الطول والعرض، وإن كان دائرة فله المحيط، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>