وهذه سقاية، أي أنه عمل يتصل بسقاية الناس، فالسقاية - إذن - هي المكان الواسع الذي يتجمع فيه الماء، أو الإناء الذي نستعمله في الشرب، أو الحرفة التي يقوم بها السقا.
وهنا يقول الحق تبارك وتعالى:
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر}[التوبة: ١٩] .
فإن كنتم تفتخرون بأنكم تحترفون سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام وتجعلون هذا في مقابل الإسلام، فذلك لا يصلح أبدا كمقابل للإيمان، ولا تتساوى كفة الإيمان بالله واليوم الآخر أبداً مع كفة سقاية الحجيج، وعمارة المسجد الحرام. ومن يقدر ذلك هو الله سبحانه وتعالى، وله مطلق المشيئة في أن يتقبل العمل أو لا يتقبله. والمؤمن المجاهد في سبيل الله إنما يطلب الجزاء من الله، أما من يسقي الحجاج؛ ويعمر بيت الله دون أن يعترف بوحدانية الله كالمشركين - قبل الإسلام - فهو يطلب الجزاء ممن عمل من إجلهم، ولأنه سبحانه هو معطي الجزاء، فهو جل وعلا يوضح لنا: أن هذين العملين لا يستويان عنده، أي لا يساوي أحدهما الآخر في الجزاء.
ويقال: إن سيدنا الإمام عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وكرم الله وجهه، مر على طلحة بن شيبة؛ والعباس ووجدهما يتفاخران، أي: يفاخر كل منهما الآخر بالمناقب التي يعتز بها؛ ليثبت أنه أحسن وأفضل منه. وكانت المفاخرة من طبع العرب حتى في الأشياء التي ليس لهم فيها فضل، والممنوحة لهم من الله عَزَّ وَجَلَّ مثل الشكل والنسب إلى آخره، لأن أحداً لا يختار أباه وأمه ليتفاخر بهما، وإنما كل ذلك هو عطاء من الله سبحانه وتعالى.