لقد كان العرب مثلاً يجلسون أمام مكان ممتلىء بالماء يتفاخرون أيهم يغطس في الماء، ويبقى رأسه تحت الماء مدة أطول، أي: أيهم أطول نفساً من الآخر، مع أن هذه مسألة خاضعة لبنية الجسم وتكوينها من الله الخالق، وليس لأحد يد فيها، فهناك من أعطاه الله رئتين أقوى من الآخر، وهو الذي يستطيع أن يغطس مدة أطول، ولكن هذه المسألة كانت من أوجه التفاخر عند العرب.
جلس طلحة والعباس يتفاخران، فقال طلحة بن شيبة: بيدي مفتاح الكعبة، ولو شئت أن أنام فيها لنمت.
فرد عليه العباس: وأنا معي سقاية الحاج، ولو شئت ألا أسقي أحدا لا ستطعت. ومر الإمام علي كرم الله وجهه عليهما وهما يتفاخران، فلما سمع كلامهما قال: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد فنزلت الآية:
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله}[التوبة: ١٩] .
ولم يكد العباس يسمع هذه الآية حتى قال:«إنَّا قد رضينا، إنَّ قد رضينا» ، قال ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي حكم، وفي هذا القول إشارة إلى أن المفاخرة التي كانت بين العباس وطلحة لم تكن في موضعها.
وكلمة {عِندَ الله} في الآية الكريمة تفيد: أن المقاييس عند الله تختلف عن المقاييس عند البشر؛ لأن المقاييس عادة تختلف حتى بين الناس، فلك مقاييس وللناس مقاييس. وقد تجامل نفسك في مقاييسك. وقد يجاملك الناس في مقاييسهم، أو قد يقسون عليك. وكل مقياس يكون فيه هوى؛ لأن كل إنسان إنما يؤثر نفسه. وكل إنسان يحاول أن يأخذ كل شيء. ولكن المقاييس