وهي ذاتية فيه، ثم بنعمة دائمة في الحياة. ولنلحظ أن هناك فارقا بين النعمة والمنعم. ونضرب لذلك مثلا - ولله المثل الأعلى - إذا دعاك إنسان في بيته وقت الطعام ثم جاء بطبق فيه تفاح، لا بد أن يكون التفاح في الطبق يكفي كل الجالسين بحيث يأخذ كل واحد منهم تفاحة، فإذا أمسك صاحب البيت بتفاحة وأعطاها لأحد الجالسين. فهذا مظهر من مظاهر رعاية خاصة من صاحب البيت، وتمييز لشخص ضيفه عن بقية الضيوف، وهذه تمثل درجة أعلى من الكرم والاهمتام؛ فهي تمثل الرحمة والرضوان. أما التفاح نفسه فهو النعمة، ومثله مثل الجنات.
وهكذا نرى أن هناك اختلافاً في التكريم. والمؤمنون حين يرتقون في درجة الإيمان؛ يعيشون دائما مع النعمة والمنعم، فإذا جاء الطعام قالوا:«بسم الله» ، وإذا أكلوا قالوا:«الحمد لله» ، ولكنهم إذا ارتقوا أكثر في الإيمان عاشوا مع المنعم وحده، ولذلك يباهي الله بعباده الملائكة؛ يباهي بعبادتهم وطاعتهم التي يلتزمون بها على أي حالة يكونون عليها، ولو نزل بهم أشد البلاء وسلبت منهم النعم، وهؤلاء من أصحاب المنزلة العالية.
ولذلك «فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» ؛ ليرى الحق سبحانه وتعالى من يحبه لذاته وإن سلب منه نعمة، وهذه منزلة عالية. فمن عبد الله ليدخل الجنة أعطاها له، ومن عبده سبحانه؛ لأنه يستحق أن يعبد، فسوف يرتقي في الجنة ليرى وجه الله في كل وقت؛ وأما الآخرون فيرونه لمحات، ولذلك يكون الجزاء في الآخرة على قدر العمق الإيماني للعبد، لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: