فقال له مالك: لقد كبرت وذهب علمك وذهب عقلك. وأصر على رأيه. ثم بدأ مالك بن عوف يرتب الجيش في الشِّعَابِ وتحت الأشجار حتى لا يراهم المسلمون عند مجيئهم. فيتقدمون غير متنبهين للخطر، وحينئذ يتم الهجوم عليهم من كل جهة ومن كل مكان.
وعندما جاء جيش المسلمين لم يتنبهوا إلى وجود الكفار المختفين عن الأعين. وحينئذ أعطى مالك بن عوف إشارة البدء بالهجوم، فخرج الكفار من كل مكان. وفاجأوا المسلمين بهجوم شديد، قال المتحدث: فوالله ما لبث المسلمون أمامهم إلا زمن حلب شاة، حتى إنه من قسوة المعركة وضراوتها وقوة المفاجأة انهزم جيش المسلمين في الساعات الأولى للمعركة، ووصل بعض الفارين من القتال إلى مكة ولم يبق مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ساحة المعركة إلا تسعة بينهم العباس عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وكان ممسكاً بالدابة التي يركبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وسيدنا علي بن أبي طالب وكان يحمل الراية. وسيدنا الفضل، وكان يقف على يمين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وسيدنا أبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكان يقف على يساره. وكان معهم أيمن بن أم أيمن وعدد من الصحابة.
وهنا نتساءل: لماذا حدثت هذه الهزيمة للمسلمين في بداية المعركة؟ لأنهم عندما خرجوا إلى الحرب قالوا: نحن كثرة لن نهزم من قلة، وبذلك ذهبوا إلى الأسباب وتناسوا المسبب، فأراد الله أن يعاقبهم عقاباً يخزيهم ويُعْلي من قدر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ولما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما حدث، قال العباس - وكان العباس صاحب صوت عال: أذن في الناس، فقال العباس بصوت عال: يا معشر الأنصار - يا أهل سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة. فلما سمع الناس نداء العباس، قالوا: لبيك لبيك. وكان الذي يقول:«لبيك» يسمعه من هم وراءه ويقولون مثله، حتى عاد عدد كبير من المؤمنين إلى القتال، وحمى القتال