وهكذا نرى أنه حين تأتي مقارنة بين شيئين، لا بد أن نتفاخر بالشيء الدائم الباقي الذي حصلنا عليه، أما الشيء الذي مآله إلى فناء فإنَّ من ليس معه يعيش كمن عاش معه، وهو متاع الدنيا، تعيش معه وتعيش بدونه. ولكن لا أحد يستغني عن الإيمان، نستغني عن الدنيا نعم، أما عن الإيمان وعن الله ورسوله فلا. وبعد أن قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الغنائم، جاء وفد هوازن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو بالجعرانة وقد أسلموا. فقالو: يا رسول الله إنَّ أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك فامنن علينا منّ الله عليك.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ قالوا: يا رسول الله خيَّرتنا بين أحسابنا وبين أموالنا بل تردُّ علينا نساؤنا وأبناؤنا فهو أحب إلينا فقال لهم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فإذا صليت للناس الظهر فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم. فلما صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه سولم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. قال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيَيْنة بن حصن بن حذيفة بن بدر: أما أنا وبنو فزارة فلا. قال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، قالت بنو سليم: لا، ما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فقال عباس: يا بني سليم وهنتموني. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه، فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم. . ذلك هو ما يشير إليه قول الحق، تبارك وتعالى: