فكأن جوارح الإنسان تقول له يوم القيامة: لقد أتعبتني في الدنيا وأكرهتني على فعل أشياء لم أكن لأفعلها لأنني عابدة مسبحة لله، وإن ما أمرتني به يخرج عن طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ، وسبق أن ضربت المثل بقائد الكتيبة الذي يصدر أوامر خاطئة فيطيعه الجنود، فإذا ما عادوا إلى القائد الأعلى شكوا له مما كان قائد الكتيبة يكرههم عليه، كذلك أبعاض الجسم تشهد عليه عند خالقها يوم القيامة. فإن كنت عابداً مُسبِّحاً كانت جوارحك معك. وإن كنت غير ذلك كانت جوارحك ضدك، فاللسان مثلاً عابد مسبح في ذاته، فإذا أكرهته على أن يشرك بالله فهو مُكْرَهٌ في الدنيا، ويصير شاهداً عليك يوم القيامة. والحق سبحانه وتعالى ينادي يومئذ قائلاً:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦] .
وهنا يقول الحق عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} أي: أن عقيدتهم الفاسدة تنضح على تصرفاتهم، وسبحانه وتعالى يربب المعاني الإيمانية في النفوس أي يزيدها، ومثال ذلك: نحن نرجم إبليس كمنسك من مناسك الحج، نرجم قطعة من الحجر رمزنا إليها بالشيطان، ونحن لا نرى الشيطان، وقد وضعنا له رمزاً وأرسينا في أعماقنا أن الشيطان عدو لنا ويجب أن نرجمه لنبتعد عن مراداته، وبذلك أبرزنا هذه المعاني في أمر حسي؛ لنوضح للنفس البشرية أن الشيطان عدو لنا، وكلما وسوس الشيطان لنا بأمر نرجمه بأن نبين لأنفسنا قضايا الإيمان الناصعة فيهرب منا. وكل منا عليه أن يتذكر أن الشيطان سوف يضحك على العاصين والكافرين في يوم القيامة، ويقول ما أورده الحق سبحانه وتعالى على لسانه:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي}[إبراهيم: ٢٢] .
وفي هذا القول سخرية ممن صدقوه؛ لأن السلطان إما سلطان القهر بأن تأتي لإنسان بما هو أكبر منه وتقهره على فعل شيء بالقوة، وإما سلطان الإقناع