ولكنْ هناك غيبٌ عن الناس جميعاً، ولكنه لن يظل غيباً إلى آخر الزمان، فمثلاً الكهرباء كانت غيباً واكتشفناها، وتفتيت الذرة كان غيباً وعرفناه، وقوانين الجاذبية كانت غيباً ثم دخلت في علم الإنسان فأصبحت معلومة له وليس هذا هو الغيب الذي يقصده الله سبحانه وتعالى في قوله:{عَالِمِ الغيب} ، فهذا غيب يختص نفسه به، لا تقل: إن فلاناً يعلم الغيب، ولكن قل: إنه مُعلَّم غيب، والمسائل الغيبية: إما أن يحجبها الزمان أو يحجبها المكان، فالآثار المطمورة مثلاً، تعبِّر عن شيء ماض واندثر، وفيه أخبار الأمم السابقة، ولا يعرفها أحد، وستره حجاب الزمن الماضي، إلى أن يتم الكشف عنها ويهيِّئ الله لها من يفكُّ ألغازها.
أما إبلاغ الله رسوله من أنباء الأمم السابقة مما جاء في القرآن الكريم فهو اختراق لحجاب الزمن الماضي، نحو قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[آل عمران: ٤٤] .
ويقول سبحانه وتعالى:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ. .}[القصص: ٤٤ - ٤٥] .
وقوله سبحانه:{وَمَا كُنتَ} في آيات أخرى دليل على أن الله سبحانه وتعالى أخبر رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما كان مستوراً في الزمن الماضي. أما الشيء الذي سوف يحدث في المستقبل، فهو محجوب عنك بحجاب الزمن المستقبل، وقد اخترق القرآن الكريم حجاب المستقبل في آيات كثيرة كلها تبدأ بحرف السين، وحرف السين دليل على أن الشيء لم يحدث بعد، وقوله تعالى: