فإذا كان الحق سبحانه وتعالى يقول لهم:{إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} فأي شيء يختلج في نفوس المسلمين؟ لا بد أن يدور في أعماقهم السؤال: ومن الذي سيشتري بضائعنا؟ لكن هل ترك الله عَزَّ وَجَلَّ مثل هذا القول دون أن يرد عليه؟ لا، فقد رد على التساؤل بقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ} .
وهكذا كشف الله حجاب النفس، وردَّ على ما سيدور في نفوس المؤمنين في نفس الآية التي حرم فيها على المشركين أن يقتربوا من المسجد الحرام، ولم ينتظر الحق سبحانه وتعالى حتى يعلن المؤمنون ما في أنفسهم، بل رد على ما يجول بخواطرهم قبل أن يعلنوه.
وحين يكشف الله عَزَّ وَجَلَّ حجاب النفس بهذا الشكل، فالمؤمن الذكي يقول: هذا ما جاء في بالي. ولأطمئن لأنه عرف ما بنفسي فسوف يرزقني. ولو لم يأت ذلك في بالهم لَكَذَّبوا النص. ولو كذبوا النص لما بقوا على الإيمان، وما داموا قد بَقَوْا على الإيمان فقد جاء النص معبراً عما يجول بأنفسهم تماماً.
والله سبحانه وتعالى كشف حجاب النفس في آيات كثيرة في القرآن الكريم، منها قوله تعالى عن المنافقين والكفار:{وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ}[المجادلة: ٨] .
وقول النفس لا يسمعه أحد، ولو أن هؤلاء لم يقولوا هذا في أنفسهم لقالوا: والله ما خطر ذلك في نفوسنا. ولأنهم قالوه في أنفسهم فقد بُهِتُوا لكشف القرآن الكريم لما يدور داخل أنفسهم. ولقد رد الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة على ما سيدور في خواطر المؤمنين عندما يستمعون إليها، فلم ينتظر الحق سبحانه وتعالى حتى يشكو المؤمنون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خوفهم الفقر وقلة الرزق، بل أجاب سبحانه وتعالى على ذلك قبل أن يخطر على بالهم.