وهكذا انتفع زكريا بعطاء الله بالابن، ولم يكتَف الحق سبحانه وتعالى بذلك، بل تكفل عن زكريا بتسميته، ولله ملحظ في تسميته، ونحن نعلم أن الناس تسمي الوليد الصغير بأسماء تتيمن بها، مثل أن يسمى رجل ابنه «سعداً» رجاء أن يكون سعيداً، وقد يسمونه «فارساً» ، رجاء أن يكون فارساً، ويسمونه «فضلاً» رجاء أن يكون كريماً، ويسمون الفتاة «قمراً» لعلها تكون جميلة. إذن: فالتسمية باسم يحمل معنىً شريفاً على أمل أن يكون الوليد هكذا، وهناك شاعر كان أولاده يموتون بعد الولادة، فجاءه ابن وسمَّاه يحيى، فمات هذا الابن أيضاً فقال الشاعر متحسِّراً:
سَمَّيتُه يَحْيى لِيَحْيا فَلمْ ... يكُنْ لِرد قضاء اللهِ فيه سَبِيلُ
إذن: فالتسمية بالاسم الشريف، أو بالاسم الذي يدل على الشيء المؤمَل هو رجاء أن يكون الوليد هكذا، لكن المسمى لا يملك أن يكون سعيداً، ولا أن يكون فارساً، ولا أن يعيش؛ لأن الذي يملك كل ذلك هو الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الله هو الذي سمى يحيى، فلا بد أن يكون الأمر مختلفاً؛ لأن الذي يملك هو الذي سمَّى، فهل سيعيش يحيى بن زكريا كالحياة التي نحياها وفيها الموت مُحتَّم على الجميع؟ نعم؛ لذلك شاء له الله أن يموت لتبقى حياته موصولة إلى أن تقوم الساعة. وهكذا رأت سيدتنا مريم آثار ذلك منذ أن قال لها زكريا عليه السلام {أنى لَكِ هذا} وأجابت: {إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: ٣٧] .