لقد رأت كل ذلك في سيدنا زكريا وفي ميلاد يحيى، وجعل الله كل ذلك مقدمات لها؛ لأنها سَتُمتحن في عِرْضها فهي التي ستنجب ولدا من غير أب، وعليها أن تتذكر دائماً قولها:{إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: ٣٧] .
ولذلك تجد القرآن الكريم في قصصه العجيب يقول على لسان مريم:{أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}[مريم: ٢٠] .
وقد بشرَّها الحق تبارك وتعالى بذلك في سورة آل عمران:{إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَم}[آل عمران: ٤٥] .
وما دام قد نسبه الله لها فلن يكون له أب، فتساءلت: كيف يكون لي غلام من غير أب. ويُذكِّرها الحق عَزَّ وَجَلَّ بهذا القول:{إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: ٣٧] .
وقال لها:{كذلك قَالَ رَبُّكَ}[مريم: ٢١] .
مثلما قال لزكريا من قبل، إذن {أنى} هذه هي مفتاح الموضوع العقدي كله، في زكريا ويحيى، وفي مريم وعيسى، وهذا هو معنى {أنى} وقلنا إن «أنّى» تأتي بمعنى كيف؟ مثل قول الحق تبارك وتعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى}[البقرة: ٢٦٠] .
وسيدنا إبراهيم لا يُكذب أن الله قادر على الإحياء، ولكنه يسأل عن الكيفية، وهنا يقول الحق:{قَاتَلَهُمُ الله أنى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يعدلون عن الحق؟ فالقضية منطقية، وما كان يصح أن تغيب عنهم، فكيف يُصرَفون عن