للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك قال الحق وتعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: ٢٧] .

هم إذن قد ابتدعوها ابتغاء رضوان الله وزيادة في العبادة، وليس في ذلك ملامة عليهم، ولكنها ضد الطبيعة البشرية؛ لذلك لم يراعوا الرهبانية حق رعايتها، ويقول المولى سبحانه وتعالى هنا في الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} فهل معنى ذلك أنهم يقولون للحبر أو الراهب «رب» ؟ لا، ولكن كانت معاملتهم لهم كمن يعامل ربه؛ لأن الله هو الذي يُحل ويحرم ب «افعل» و «لا تفعل» ، فإذا جاء هؤلاء الأحبار وأحلُّوا شيئاً حرمه الله أو حرَّموا شيئاً أحلَّه الله، فهم إنما قد أخذوا صفة الألوهية فوصفوهم بها؛ لأن التحليل والتحريم هي سلطة الله، فلذلك

«عندما دخل عدي بن حاتم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في عنق الرجل صليباً من الذهب أو من الفضة قال سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» اخلع هذا الوثن «، ومن أدب الرجل مع الرسول خلع الصليب. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» «إنكم لتتخذون الأحبار والرهبان أرباباً» . فقال الرجل: نحن لا نعبدهم. . قال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أولا تطيعونهم فيما حرموا وأحلوا؟ قال: نعم. قال: تلك هي العبادة «.

{اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله والمسيح ابن مَرْيَمَ} ولسائل أن يسأل: وما معنى عطف المسيح على الأرباب، وعلى الأحبار والرهبان؟ والإجابة: إن الذي يحلل ويحرم إن لم يكن رسولاً، فهو إنسان يطلب

<<  <  ج: ص:  >  >>