شهر المحرم وتحريم شهر آخر، وأرادوا بذلك إخضاع مرادات الله لشهوات نفوسهم؛ لأن المحرم ثابت فيه التحريم، وهو شهر حرام سواء قام الإنسان بتأجيله أم لم يؤجله، فهو شهر حرام بمشيئة الله لا مشيئة الناس. ولذلك حكم الحق سبحانه على النسيء بأنه زيادة في الكفر؛ لأنك حين تؤخر حرمة شهر المحرم إلى شهر غيره، تكون قد قُمْتَ بعمليتين؛ أحللت شهراً حراماً وهذا كفر، وحرمت شهراً حلالاً وهذا كفر آخر. . أي: زيادة في الكفر. ثم يقول الحق سبحانه:{لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} وقد حكم الله عليهم بالكفر بأنهم أحلوا ما حرمه الله.
ثم يقول الحق:{زُيِّنَ لَهُمْ سواء أَعْمَالِهِمْ} والتزيين: هو أمر طارئ أو زائد على حقيقة الذات مما يجعله مقبولاً عند الناس، فالمرأة مثلاً لها جمال طبيعي، ولكنها تتزيين. إذن: فالتزيين تغيير في المظهر وليس في الجوهر. وهناك تزيين في أشياء كثيرة، تزيين في الفكر مثلاً، بأن يكون هناك استعداده للقتال فيأتي القائد فيزين للمقاتلين دخول المعركة، ويقول: أنتم ستنتصرون في ساعات، ولن يصاب منكم أحد وسيفِرّ عدوكم؛ هذا تزيين محمود.
ولذلك أراد الحق أن يكشف لنا حقيقة التزيين الذي قاموا به حين حللوا حرمة الأشهر الحرُم، وكشف لنا سبحانه أن هذا لون من التزيين غير المحمود فقال:{زُيِّنَ لَهُمْ سواء أَعْمَالِهِمْ والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} وما دام قد زُيِّن لهم السوء فهذا العمل قد خرج عن منطقة الهداية، وخرج عن نطاق التزيين المحمود إلى التزيين السيىء. وما داموا قد خرجوا عن هداية الله فلن يعينهم الله؛ لأنه سبحانه لا يعين من كفر، ولا يعين من ظلم، ولا يعين من فسق.