أو مُدَّخلاً وهو المكان الضيق الذي لا تستطيع أن تدخل فيه إلا بصعوبة. هم إذن يبحثون عن مكان يغيبون فيه عن سمع المؤمنين وأنظارهم ليُخرِجوا الكراهية المحبوسة في صدورهم، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مغارات أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} و {وَلَّوْاْ} أي: انطلقوا إليه وقد شغلهم الإسراع للذهاب إلى المكان عن أي شيء آخر، {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} والجماح هو أن تفقد السيطرة على الفرس الذي تركبه، فلا تقدر على كَبْح جماحه أو التحكم فيه، فينطلق بسرعة، وحين يقال هذا عن الإنسان فهو يعني الانطلاق بسرعة إلى المكان الذي يقصد إليه ولا يستطيع أحدٌ منعه، وإنْ تعرض له أحد دفعه بعيداً لينطلق في طريقه بسرعة.
والآية هنا تعطينا صورة دقيقة لحالة المنافقين في أي معركة. فبمجرد بَدْءِ القتال تجدهم لا يتجهون إلى الحرب، ولا إلى منازلة العدو، ولا يطلبون الاستشهاد، ولكنهم في هذه اللحظة التي يبدأ فيها القتال يبحثون عن مكان آمن يهربون إليه، أو مغارة يختبئون فيها، أو مُدَّخل في الأرض ينحشرون فيه بصعوبة ليحميهم من القتال. فإذا انتهت المعركة خرجوا لينضموا إلى صفوف المسلمين، ذلك أنهم لا يؤمنون. فكيف يقاتلون في سبيل دين لا يؤمنون به؟ ولذلك كنت تجدهم في المدينة إذا نودي للجهاد فهم أول من يحاول الهروب ويذهبون للقاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طالبين التخلف عن المعركة، ويقول الواحد منهم:{ائذن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ... }[التوبة: ٤٩]