كما اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينقسك الأرزاق بيننا لتسير حركة الكون. وإلا لو أصبحنا كلنا ميسورين، فمن الذي يقوم بتنظيف الشارع؟ ومن الذي يقوم بتسليك البالوعات؟ ومن الذي يحمل الطوب والأسمنت على كتفيه للبناء؟ وإن كنا جميعاً نملك المال فلن يرضى أحد أن يقوم بالأعمال البسيطة والمزعجة والمرهقة، وشاء الله أن يربط هذه الأعمال بالرزق، بحيث يقوم بها بعضنا ليحصل على قوت أولاده، وإلا لما أمسك أحد بمكنسة لتنظيف الطريق، وما عمل أحد في إصلاح المجاري؛ لذلك قد ترى مَنْ يقومون بهذه الأعمال سعداء عندما تُسَدُّ المجاري، أو يحتاج الطريق إلى نظافة؛ لأن رزقهم يأتي من هذا العمل.
ولكن أيبقى هذا الحال على ما هو عليه؟ لا؛ لأن الأيام تُتداوَلُ بين الناس، وكل واحد له عُرْس وله مَأتم. وتأتي أيام تكون فيها هذه الأعمال اليدوية هي مصدر الرزق الوفير، وهي التي يملك أصحابها سعة الرزق، أكثر من الذين درسوا في الجامعات وأهِّلوا للمناصب، لكنهم أقل دخلاً وأقل رزقاً.
وهكذا نعلم أن الكون يحتاج إلى المواهب المتعددة التي تتكامل فيه، فأنت إذا أردت أن تبني بيتاً تحتاج إلى مهندس ومقاول ونجار وحداد وبنَّاء إلى غير ذلك، ولا يمكن لإنسان أن يملك هذه المواهب كلها في وقت واحد. فلا بد أن تتكامل وأن يرتبط هذا التكامل بالرزق ولقمة العيش. بل وتجد أن الإنسان قد يتخصص في عمل ويتقنه بينما يحتاج هو لبعض من وقته ليقوم بمثل هذا العمل لبيته فلا يجد، ولذلك يقال:«باب النجار مخلّع» ؛ لأن الأبواب الأخرى التي يصنعها مرتبطة برزقه وهو يحاول أن يحسن صناعتها، أما بابه هو فلا رزق له فيه، ولذلك قد يكسل عن صيانته.