للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي يسمع كل حدث «أُذُن» ، ونسمي اللص الذي يتعدَّى على ماله غيره صاحب اليد الطويلة وهكذا.

إذن: كل جارحة لها حاسة، والنظر والسمع والشم واللمس والذوق كلها من وسائل الإدراك الحسية التي تتكون منهالخمائر المعنوية، ثم تصبح عقائد، فوسائل الإدراك هذه تتلقى من العالم الحسي ما يعطيه لها من معلومات، وتخزنها لتتصرف بعد ذلك على أساسها، وتكون في مجموعها هي ما يعلمه الإنسان؛ ولذلك نجد الحق سبحانه يمتنُّ على خَلقه، فيقول: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨]

والشكر لا يكون إلا على النعمة، فكأن وسائل الإدراك هذه مما تسمعه أو تراه ببصرك، أو تدركه بفؤادك هي من نعم الله التي يجب أن نشكره عليها؛ لأنها أعطتنا العلم الحسي بعد أن كنا لا نعلم شيئاً.

وإذا أطلقَ على الإنسان اسم جارحة من جوارحه، فاعلم أن هذه الجارحة هي العمدة فيه، فكأن قول المنافقين وصفاً للرسول {هُوَ أُذُنٌ} هو سَبٌّ للرسول، وكان الواحد منهم يقول: احذروا أن يبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيكشف نفاقهم ويؤذيكم؛ لأن محمداً عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ في رأيهم يُصدِّق كل شي. أرادوا أن يتهموه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه لا يمحص القول الذي يُنقل إليه ويصدق كل ما يقال له، كما نقول نحن في العامية «فلان وِدَني» أي: يعطي أذنه لكل ما يقال له.

فيرد عليهم الله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} ؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يستمع لمنهج السماء ويبلغه للبشر ليهدي أهل الأرض، إذن: فهو خير للناس كلهم. وحتى إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>