أخذنا كلامهم في أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصدقهم إن كذبوا عليه، فهذا خير لهم؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يؤذيهم، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {أُذُنُ خَيْرٍ} لأنه لا يسمع إلا من الله بالوحي. ولذلك قلنا: إن الحكمة من أمية رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، أنه لم يستمع من مُسَاو له، وإنما كان علمه من الله. فإذا كانت الأمية فينا نحن نقيصة؛ فإنها الكمال كله في حق رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ؛ لأنه لم يأخذ إلا من خالقه، وهو اذن خير؛ لأنه الأذن التي استمعت إلى آخر إرسال ينزل من السماء لهداية الأرض.
فإذا كان المنافقون قد قالوا:{هُوَ أُذُنٌ} فقد قال سبحانه: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} ، وهو خير يعود نفسه على البشرية كلها، ولكن ليس بالمعنى الذي تعيبونه عليه، فهو قد يسمع إساءاتكم، ثم يسمع اعتذاركم فلا يؤذيكم ويعفو عنكم.
وما دام هذا هو سلوك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلماذا تؤذونه وترهقونه؟
وفي اللغة ما يسمونه «القول بالموجب» ، فإن قال لك واحد شيئاً تصدقه وتقول له: نعم، ولكن قد تأخذها على مَحْمَل آخر، فإن كان هناك إنسان يُكثِر الزيارة لإنسان ويقول له: أنا أثقلتُ عليك، ويرد عليه: أنت أثقلتَ كَاهلي بأياديك، أي أن أفضالك عليَّ كثيرة. وإن قال لك واحد:«أنا طولت عليك» ، يرد عليه صديقه: لا، أنت تطولت عليَّ، أي: أعطيتني نعمة بأنك أسعدتني بمجلسك. إذن: فهو قد وافقه على وما قال، ولكنه رد عليه بعكس ما قال.
وهم قد عابوا على الرسول أنه أذن، فكأن أذنه تتحكم في كل تصرفاته، وإن سمع شيئاً تأثر به. وإن سمع شيئاً ينغصه ينقلب موقفه من