النقيض إلى النقيض. وحاولوا أن يدَّعوا أنه يصدق كل ما يسمعه ولا يحتاط تجاه من يبلغه، وقالوا: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {أُذُنٌ} ، وردَّ الحق سبحانه {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ} وبطبيعة الحال لم يكن قول الحق موافقاً لما قالوه؛ لأن «أُذُن» عندهم غير {أُذُن} التي أقرها الله سبحانه وتعالى.
وقد يقول بعض السطحيين: إن المنافقين قالوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {هُوَ أُذُنٌ} وهم يقصدون بذلك أنه يسمع ويصدق كل ما يقال له، وليس من حكمة التمحيص والاختيار. لكن لنلتفت إلى أن الحق قد قال:{أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} ؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يسمع إلا من الله، وما يسمعه من الله أطاعه وطبَّقه، وما سمعه من الناس؛ عرضه على منهج الله؛ فإن وافق المنهج نفذه، وإن تعارض مع المنهج رفضه.
إذن: فهو أذن للخير لا يسمع إلا من الله، ولا يأتي من رسالته إلا الخير لمن اتبعه.
ولكن لماذا لم يقل الحق سبحانه وتعالى: أذن خير للمؤمنين، وقال:{أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} ؟؛ لأن خيرية رسول الله قد شملت الجميع، وتعدَّتْ المؤمنين إلى المنافقين وإلى الكفار. فكان رسول الله صلى الله عليه لا يفضح منافقاً، إلا إذا فضح الله المنافق بقرآن نزل من السماء.
وعلى سبيل المثال: كان المنافقون يأتون إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويعتذرون عن الجهاد في سبيل الله؛ ويطلبون الإذن بالقعود. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعطيهم الإذن. وحين كان المنافقون يأتون إلى الرسول الكريم ويحلفون له كذباً، كان يصدقهم، أو على الأرجح لا يفضح كذبهم أمام الناس.
إذن: فالخيرية فيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ شملت المنافقين؛ لأن خُلُقَه الكريم أبى أن يفضحهم أمام الناس. أما الكفار فد شملتهم الخيرية أيضاً؛