فيقول له الحارس: سأحضر لك كوب الماء. وفعلاً يحضر الكوب مليئاً بالماء المثلج، ويفرح السجين ويظن أنه سينال منه ما يريده، ولكن ما إن يقرب الحارس الكوب من فم السجين، حتى يفرغه على الأرض، فيكون تعذيبه أكبر مما لو رفض منذ البداية إحضار كوب الماء.
وهكذا شاء الحق سبحانه وتعالى أن يزيد ذلة المنافقين، فوافقهم على أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أُذُن» ثم جاء بنقيض ما كانوا يقصدونه فقال:
{أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} وما دام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يؤمن بالله فهو يأخذ منهجه من الله سبحانه وتعالى، ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم.
إذن: فهناك ثلاثة أدلة على خيرية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أنه يؤمن بالله وينفذ منهجه. ثم يؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا. ونلاحظ أن هناك اختلافاً بين قوله تعالى:{يُؤْمِنُ بالله} وبين قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} . فبالنسبة للإيمان بالله جاء بالباء في قوله:{بالله} وبالنسبة للمؤمنين جاء باللام في قوله: {لِلْمُؤْمِنِينَ} .
بعض الناس يقولون: إن هذه مترادفات؛ لأن معنى {يُؤْمِنُ بالله} أي: يصدق بوجوده. والمنافقون كفرة بالله، {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} معناها أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصدق المؤمنين. أما المنافقون فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعرف أنهم كاذبون فلا يصدقهم. ولكنه لا يفضحهم أمام المؤمنين؛ حتى لا يقطع عليهم خط الرجعة إن كانوا ينوون الإيمان فعلاً.
ولو فضحهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمام المؤمنين لضاعت هيبتهم تماماً. وإن فكر أحدهم في ترك النفاق إلى الإيمان، لوجد صعوبة شديدة في ذلك؛ لأن أحداً لن