إذن: فالجنة أطلقت في القرآن على المكان الذي فيه زروع وثمار وأشجار، فهو يحجب من دخله، أو يمنع الإنسان بالخير الذي في داخله من الحاجة للخروج إلى مكان آخر؛ لأن فيه كل مقومات الحياة. وحين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يبشرنا بشيء في الآخرة، لا بد أن يشبهه لنا بشيء نفهم معناه في الدنيا؛ لأن اللغة مكونة من ألفاظ وأسماء سبقتها مَعَانٍ حتى نستطيع أن نفهمها، ولذلك إياك أن تفهم أن جنة الدنيا هي جنة الآخرة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يستخدم اللفظ الذي تفهم أنت معناه. ولكن جنة الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولكن من أين نأتي بالألفاظ التي يمكن أن تعبر لنا عن ذلك؟ إن اللفظ لا يوجد إلا إذا كان المعنى موجوداً أولاً، ومن يستطيع أن يأتي بلفظ لم تره عين، ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر؟ مستحيل؛ لأن المعنى غير موجود.
ولذلك ينبهنا الحق سبحانه إلى هذه النقطة، ويوضح لنا أنه يعطينا معنى تقريبيّاً حتى نستطيع أن نفهمه؛ فيقول سبحانه وتعالى:{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون ... }[محمد: ١٥]
أي: أنها ليست هي، ولكنه مثل فقط؛ يقرب المعنى إلى ذهنك. خذ صورة من المجتمع الذي تعيش فيه، أنت تحتاج إلى مسكن لتسكن وتستريح فيه من عناء الحياة. وهناك من عنده مسكن من حجرة واحدة، فإذا ترقى يكون المسكن من حجرة وصالة أو حجرتين وصالة، ثم بعد ذلك