أراد أن يُعلم المنافقين أن سبحانه يخبر نبيه بما يخفيه المنافقون عنه، ولو نزلت الآية فقط في حادثة الحلف الكذب، لقال المنافقون: ما عرف محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إلا ما قاله عامر، ولكن هناك أشياء لم يسمعها عامر؛ وهم قالوها، ذلك أن المنافقين كانوا قد تآمروا على حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واتفقوا على قتله عند عبوره العقبة، والعقبة هذه هي مجموعة من الصخور العالية التي تعترض الطريق، فيتحايلون على اجتياز هذه العقبة بأن يعبروها أحياناً من أنفاق منخفضة، وأحياناً يعبرونها بأن يصعدوا فوقها ثم ينزلوا.
ودبر المنافقون أن يدفعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أعلى الصخور، فيسقط في الوادي، ولكن حذيفة بن اليمان الذي كان يسير خلف ناقة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تنبه للمؤامرة، فهرب المنافقون، وهكذا لم ينالوا ما يريدون، مثلما لم ينالوا ما أرادوه عندما أتى رسول الله صلى الله مهاجراً إلى المدينة، فقد كانوا يعدِّون العُدَّة ليجعلوا عبد الله بن أبيّ ملكاً عليهم، ولكن مجيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يُمكنهم من ذلك.
وقيل: إنهم تآمروا على قتل عامر بن قيس؛ لأنه أبلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما قاله الجلاس بن سويد، ولكنهم لم يتمكنوا.