للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} و {نقموا} تعني: كرهوا، والغنى - كما نعلم - أمر لا يُكره، ولكن وروده هنا دليل على فساد طبعهم وعدم الإنصاف في حكمهم؛ لأن الغنى والأمن الذي أصابهم ليس عيباً ولا يولد كراهية. بل كان من الطبيعي أن يولد حباً وتفانياً في الإيمان.

والحق سبحانه وتعالى يوضح لهم: ماذا تعيبون على محمد؟ وماذا تكرهون فيه؟ هل تكرهونه وقد جاءكم بالعزة والغنى؟

وقبل أن يأتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كان الذين كرهوا مجيء الرسول إلى المدينة فقراء لا يملكون شيئاً، ولكنهم لما نافقوا ودخلوا في الإسلام، أخذوا من الغنائم، وأغناهم الله؛ بل إن الجلاس بن سويد لما قُتِل له غلام دفع له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اثني عشر ألف درهم ديّة. إذن: فقد جاء على يد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الغنى للجميع، فهل هذا أمر تكرهونه؟ طبعاً لا. ولكنه دليل على فساد طباعكم وعدم إنصافكم في الحكم، وما دام الله سبحانه وتعالى قد أغناكم بمجيء رسوله؛ ما كان يصح أن يُعاب ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بل كان يجب أن يُمدح به، وأن تتفانوا في الإيمان به ونصرته.

وقول الحق سبحانه وتعالى: {مِن فَضْلِهِ} يلفتنا إلى أسلوب القرآن الكريم. ولقد قال الحق سبحانه وتعالى: {الله وَرَسُولُهُ} وكان قياس كلام البشر أن يقال «الله ورسوله من فضلهما» ، ولكنه قال: {مِن فَضْلِهِ} لأن الله لا يُثنَّى مع أحد، ولو كان محمد بن عبد الله.

ولذلك عندما سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خطيباً يخطب ويقول: من أطاع الله ورسوله فقد نجا، ومن عصاهما فقد هلك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بئس خطيب القوم أنت؛ لأن الخطيب جمع جَمْعَ تثنية بين الله ورسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>