وهنا توقف الخطيب وقال: فماذا أقول يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قل ومَنْ يعْص الله ورسوله فقد هلك، ولا تقل: عصاهما، لا تجمع مع الله أحداً ولا تُثنِّ مع الله أحداً؛ ولذلك نجد القرآن الكريم لم يَقُلْ «أغناهما الله ورسوله من فضلهما» ، ولكنه قال:{مِن فَضْلِهِ} لأن الفضل واحد. فإن كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فضل؛ فهو من فضل الله.
وعلى أية حال فالله لا يُثنَّى معه أحد؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم:{يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة: ٦٢]
وهنا نرى أيضاً أن الحق سبحانه قد استخدم صيغة المفرد في الرضا؛ لأن رضا الله سبحانه وتعالى ورضا رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتحدان، ولأنه إذا جاء اسم الله فلا يُثنَّى معه أحد.
وبعد أن فضح الحق سبحانه وتعالى المنافقين وبيّن ما في قلوبهم؛ لم تتخلَّ رحمته عنهم؛ لأنه سبحانه وتعالى رحيم بعباده، ولذلك فتح لهم باب التوبة فقال:{فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} ، وفَتْحُ باب التوبة رحمة لحركة الحياة كلها؛ فلو أغلق الله باب التوبة لأصبح كل من ارتكب ذنباً مصيره للنار. وإذا علم الإنسان أن مصيره للعذاب مهما فعل، فلا بد أن يستشري في الذنب، ويزداد في الإثم، ما دام لا فرق بين ذنب واحد وذنوب متعددة. ولكن حين يعلم أن أي إنسان يخطئ أن باب التوبة مفتوح؛ فهو لا يستشري في الإثم، ثم إن الذي يعاني من الشرور والآثام حقيقة هو المجتمع ككل، فإذا وُجد لص خطير مثلاً؛ فالذي يعاني من سرقاته هو المجتمع. وإذا وُجد قاتل محترف فالذي يعاني من جرائمه هم الذين سيقتلهم من أفراد المجتمع.