الحكم على الأشياء. لذلك اعتبروا الحسنة نقيصة، تماماً كالذي يُخرج ماله للفقراء، ونجد من يسخر منه بالقول عنه «إنه أبله» ، مع أن المؤمن حين يتصدق كثيراً؛ فهو يشيع فائدة ماله في المجتمع، وهو الأكثر ذكاء منهم؛ لأنهم أنفقوا المال على أنفسهم فَأفْنَوْه، بينما تصدق هو به فأبقاه.
وقول الحق سبحانه وتعالى:
{الذين يَلْمِزُونَ المطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} لها واقعة، فقد هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة، وترك أمواله وكل ما يملك في مكة، وآخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، فجعل لكل رجل من الأنصار رجلاً من المهاجرين يشاركه في ماله.
ولما جاء عبد الرحمن بن عوف قال له أخوه من الأنصار: أقاسمك مالي. قال: بارك الله لك في مالك، دُلَّني على السوق. وذهب إلى السوق. وبارك الله له في تجارته. فكان يقسم ربحه نصفين نصفاً للصدقة ونصفاً لأهله. وقد جاء عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقال: يا رسول الله اكتسبت ثمانية آلاف درهم أقرض الله أربعة وأبقي لأهلي أربعة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«بارك الله لك فيما أقرضت وفيما أبقيت» . وحينما مات عبد الرحمن بن عوف أحصوا ثروته، وحدث خلاف في تقديرها، وأراد الورثة أن يسترضوا زوجته الرابعة، وكان اسمها «تماضر» بأن يعطوها ثمانين ألف درهم، ولما كانت تماضر واحدة من أربع نساء، والنساء الأربع يرثن ثُمُنَ الثروة، أي: أن قيمة الثروة كلها على أقل تقدير بلغت مليونين وخمسمائة وستين درهماً. وكان عبد الرحمن لا يتاجر إلا في ماله.