للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما بلغ المنافقين ما تصدق به عبد الرحمن بن عوف قالوا: ما تصدق عبد الرحمن إلا رياء وسمعة. وهل الرياء يطلع عليه الناس أم يعرفه الله وحده؟ وجاء عاصم بن عدي، وكان صاحب بستان أعطى ثمراً كثيراً، فجاء بمائة حمْل من التمر وتصدق بها، فقال المنافقون: والله ما فعل عاصم هذا إلا رياء. وجاء رجل يُدْعَى أبا عقيل الأنصاري إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يا رسول الله، لقد بِتُّ ليلتي أعمل، وأخذت أجري صاعين من التمر، احتفظت لأهلي بصاعٍ وجئتك بصاع لأتصدق به. قال المنافقون: تصدق بصاعٍ من التمر، الله ورسوله غني عن صاعك يا أبا عقيل.

هم إذن قد عابوا على عبد الرحمن بن عوف الذي تصدق بالكثير وقالوا هذا رياء، وعندما جاء عاصم بن عديّ قالوا: يرائي بالتصدق بنصف ثمار حديقته، وعندما جاء من لا يملك إلا صاع تمر يتصدق به قالوا: الله ورسوله غني عن تمرك، لقد سخروا ممن أعطى الكثير، وسخروا ممن أعطى القليل. وكان يجب أن يُمدَح المتصدقون ولا يُسخَر منهم؛ لأن كلاً منهم تصدق على قدر طاقته، وهم أعطوا منه فضل ما أعطاهم الله؛ قلَّ أو كثُر.

ولذلك فمَنْ يسخر من هؤلاء المؤمنين؛ لابد أن يُلاَمَ على الخُلق السيء الذي تمثل في مقابلة السلوك الإيماني بالسخرية والاستهزاء، ولذلك كان جزاء الساخرين أن سخر الله منهم، وجعل لهم عذاباً أليماً. والسخرية هي الاستهزاء بفعل شخص ما. وهؤلاء المنافقون حين يسخرون من المؤمنين، فسخريتهم لم تتجاوز عدم رضاهم عمَّنْ فعل الخير، وهم بسخريتهم لهم يستطيعوا إلا الإيذاء المعنوي للمؤمنين المتصدقين، ولكن حين يسخر الله؛

<<  <  ج: ص:  >  >>