فكأن الحق سبحانه وتعالى قد أقر على أن الأعز هو الذي سيخرج الأذل من المدينة، ولكن العزة لله ولرسوله وللؤمنين، إذن: فسيخرج المنافقون من المدينة، وسيبقى فيها المؤمنون، وتكون لهم العزة.
ولما علم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيأمر بقتل والده عبد الله بن أبيّ، ذهب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقال: يا رسول الله إن كنت ولابد آمراً بقتل أبي فأمرني أنا بقتله؛ لأني أخاف أن يقتله أخ مؤمن فأكرهه، وأنا لا أحب أن أكره مؤمناً.
وهكذا نرى قوة وصدق الإيمان، وأراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يكرم ذلك المنافق من أجل ابنه فلم يأمر بقتله، ومن بعد ذلك قال الابن: يا رسول الله استغفر لأبي، أي: اطلب له من الله المغفرة؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعلم أنه قد أرسل رحمة للعالمين؛ لذلك طلب المغفرة لعبد الله بن أبيّ. وحينئذ نزلت الآية الكريمة:{استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ ... }