نقول: إنه في قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ} هنا هيئ لموسى من ذاته أن يرجع، أي: انه قرار اختياري من موسى، أما قوله تعالى:{فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ} ، فموسى في هذه المرحلة؛ كان طفلاً رضيعاً لا يستطيع أن يرجع بذاته، ولا بد أن يهيئ له الحق طريقة لإرجاعه، أي: من يحمله ويرجعه.
أما قوله تعالى:{فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} فقد كان من الممكن أن يقال: «وإذا رجع إلى طائفة منهم» مثلما قال في موسى عليه السلام: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى} ولكن الحق استخدم {رَّجَعَكَ} ليدل على أن زمام محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ في الفعل والترك ليس بيده.
وكأنه سبحانه وتعالى يوضح: إياكم أن تنسبوا الأحداث إلى بشرية محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فإن محمداً إذا ذهب إلى مكان فالله هو الذي أذهب إليه. وإن عاد من مكان فهو لا يعود إلا إذا أرجعه الله منه. كما كانت هجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المدينة بإذن من الله، فقبل أن يأذن الله له بالهجرة، لم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ببشريته يستطيع أن يهاجر. إذن: فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرف دائماً: أن ذهاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ورجوعه من أي مكان، ليس ببشرية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بل بإرادة الحق سبحانه.
ولكن لماذا قال الحق سبحانه وتعالى:{فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} وكان من الممكن أن يقول «فإن رجعك الله إليهم» أة: «فإن رجعك الله إلى المدينة» ؟ نقول: إن الحق سبحانه وتعالى يريد الحديث هنا عن الطائفة التي حدثت منها المخالفة، فهناك من بقوا في المدينة رغماً عنهم ولم يكن لديهم ما ينفقونه أو لم يكن لدى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما يحملهم عليه. كذلك المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون قتالاً. وهؤلاء حَسُنَ إسلامهم وقَبِل الله ورسوله أعذارهم.