ولكن الحق سبحانه يتحدث هنا عن الطائفة التي تخلفت عن الجهاد وهي قادرة، والتي امتنعت عن الخروج، وهي تملك المال والسلاح وكل مقومات الجهاد، هذه الطائفة هي التي فرحت بالتخلف عن القتال. أما الطوائف الأخرى؛ فكانت عيونها تفيض بالدمع من الحزن على عدم اشتراكهم في الجهاد.
إذن: فالحق يقصد هنا طائفة المنافقين الذين استمروا على نفاقهم، فمن تاب منهم قبل نزول هذه الآية قبلت توبته، ومن مات منهم قبل نزول هذه الآية فإنما حسابه على الله. وبقيت طائفة المنافقين الذي فرحوا وضحكوا عندما بقوا في المدينة، وكان عقاب الله لهم بأن مسح أسماءهم من ديوان المجاهدين في سبيل الله، ومنعهم الثواب الكبير للجهاد.
ويقول سبحانه:{فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ} فكيف استأذنوا أول الأمر للقعود وتحايلوا عليه، وكيف يستأذنون الآن للخروج؟ نقول: إنهم عندما رأوا المؤمنين وقد عادوا بالغنائم، كان ذلك حسرة في قلوبهم؛ لأنهم أهل دنيا. وحينئذ طلبوا الخروج حتى يحصلوا على الغنائم والمغانم الدنيوية. ولكن الحق سبحانه وتعالى طلب من رسوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ألا يأذن لهم بالجهاد مع المسلمين، فقال:{فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} أي: أن أسماءكم قد شطبت من ديوان المجاهدين والغزاة، ولما قرر الحق سبحانه وتعالى ألا يعطيهم شرف الجهاد وثواب الخروج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ يقول الحق سبحانه:{إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ} .
ولكن الحق يقول أيضاً هنا:{فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ} وهذا أمر لا يحدث إلا في الغزوات، فما هو موقفهم إذا حدث اعتداء على المدينة؟ ويبين الحق سبحانه لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يقبل قتالاً حتى في هذه الحالة، فطلب