للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه عن رزق الأولاد لم يلتفتوا إلى صدري الآيتين بل التفتوا إلى عجُز الآيتين، وذلك من جهلهم بملكة الأداء في البيان العربي.

ولنا أن نسأل هؤلاء المستشرقين الذي يثيرون مثل هذه الأقاويل: هل ترون أن آية من الآيتين أقل بلاغة من الأخرى؟ ولن نجد إجابة عندهم؛ لأنهم لا يعرفون دقة البيان العربي. ونقول لهم: أنتم إن نظرتم إلى عَجُز كل آية وصدرها لوجدتم أن آخر الآية يقتضي أولها، وإلا لما استقام المعنى، فالله سبحانه وتعالى لم يَقُلٍ في الآيتين: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} وإنما قال: {مِّنْ إمْلاَقٍ} ، وقال: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} ولم يقل في الآيتين: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} بل قال: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} .

إذن: فبداية الآيتين مختلفة؛ الآية الأولى: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} . والإملاق هو الفقر، فكأن الفقر موجود فعلاً. وقوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} ، فكأن الفقر غير موجود، ولكن الإنسان قد يخشى أن يأتي الفقر بمجيء الأولاد.

إذن: فالآية الأولى تخاطب الفقراء فعلاً، والآية الثانية تخاطب غير الفقراء الذين يخشوْنَ مجيء الفقر إن رُزِقوا بأولاد؛ والفقير - كما نعلم - يُشغل برزقه أولاً قبل أن يُشغلَ برزق أولاده. ولذلك يطمئنه الحق سبحانه وتعالى على أن أولاده لن يأخذوا من رزقه شيئاً، فيقول: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} أي: اطمئن أيها الفقير على رزقك فلن يأخذ أولادك منه شيئاً؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يرزقك أولاً ويرزق أولادك أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>