ومن هنا فإياك أيها المؤمن أن تعجبك أموالهم؛ لأنها ذلة لهم في الدنيا؛ فهم يبذلونها نفاقاً؛ فإذا امتنعوا عنا الإنفاق وعن الجهاد وهم يتظاهرون بالإسلام؛ فكأنهم قد أعلنوا أنهم منافقون، وهكذا نجد إنفاقهم كرهاً هو إذلال لهم، وإن لم ينفقوا فهذا أمر يفضحهم، فكأن الأموال والأولاد عذاب لهم، وهذا أمر لا يقتضي الإعجاب، وإنما يقتضي الإشفاق عليهم.
ولا تظن أنك حين حذفتهم من ديوان الغُزاة والمجاهدين بعدم الخروج معك وأنهم لن يقاتلوا معك عدوّاً، أن في أموالهم عوضاً عن الخروج، فلا تعجبك فإنها عقاب وفضيحة وإذلال لهم.
ولكن في الآية الأولى، يقول الحق سبحانه:
{فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لماذا؟ لأن منهم من له مال يعتز به، ومنهم من له أولاد كثيرون هم عِزْوته، ومنهم من له المال والولد.
إذن: فهم مختلفون في أحوالهم؛ لذلك جاء القول:{أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لتؤدي المعاني كلها. ولتشمل من عنده مال فقط، ومن عنده أولاد فقط، ومن عنده المال والولد.
أما في الآية الثانية التي نحن بصددها:
{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}
إذن: فالحقُّ سبحانه وتعالى قد أعطاهم المال والولد للعذاب. ولكن هناك من يقول: ما دام الحق يريد تعذيبهم بالأموال والأولاد، فهل المال والأولاد علة للعذاب؟ وهل لأفعال الله علة؟ ألا يقول المسلمون: إن أفعال الله لا علة لها؛ ونقول: لقد قالوا مثل ذلك القول في قوله الحق: