فكأن هذه حيثيات كفرهم؛ فهم لا يُصلُّون إلا نفاقاً، ولا ينفقون مالاً في سبيل الله إلا وهم يكرهون ذلك.
والمتعة في المال أن تنفقه فيما تحب، فإذا أحببت طعاماً أشتريته، وإذا أحببت ثوباً ابتعته. وتكون في هذه الحالة مسروراً وأنت تنفق مالك، ولكن هؤلاء ينفقون المال وهم كارهون.
والمؤمن عندما ينفق ماله في صدقة أو زكاة فهو يفعل ذلك إيماناً منه بأن الله سبحانه وتعالى سيعطيه أضعاف أضعاف الأجر في الدنيا والآخرة. إذن: فحين ينفق المؤمن ماله في الزكاة، يكون فرحاً لأنه عمل لدنياه ولآخرته.
أما المنافق الذي يضمر الكفر في قلبه، فهو لا يؤمن بالآخرة ولا يعرف البركة في الرزق، فكأنه أنفق ماله دون أن يحصل على شيء، أي: أن المسألة في نظره خسارة في المال ولا شيء غير ذلك. وإن أنفق الإنسان وهو كاره، فالمال الموجود لديه هو ذلة وتعب؛ لأنه حصل على المال بعد عمل ومشقة، ثم ينفقه وهو لا يؤمن بآخرة ولا بجزاء.
ويريد الحق سبحانه أن يلفتنا إلى أن رزقه لهؤلاء الناس هو سبب في شقائهم وإذلالهم في الدنيا فيجعلهم يجمعون المال بعمل وتعب ثم ينفقونه بلا ثواب، أي: يخسرونه. والواحد منهم يذهب إلى الحرب نفاقاً، فينفق على سلاحه وراحلته، ولا يأخذ ثواباً، ويُربِّي أولاده ثم تأتي الحرب، فيذهبون نفاقاً للقتال؛ فيموتون دون استشهاد إن كانوا منافقين مثل آبائهم. وهكذا نجد أن كل أموال المنافق الذي يتظاهر بالإسلام، وهو كافر، تكون حسرة عليه.