على هيئة الافتراق، كأن تأتي بالأشياء التي لا تمتزج ببعضها مثل: الحمص واللب والفول، وتخلط بعضها ببعض في وعاء واحد، لكن يظل كل منها على هيئة الانفصال، فأنت لم تدخل حبة اللب في حبة الحمص، ولم يتكون منهما شيء واحد؛ لأنه لو حدث هذا لصار مزيجاً لا خلطاً، مثلما تخلط الشاي باللبن؛ لأنك بعد أن تجمعهما يصيران شيئاً واحداً، بحيث لا تستطيع أن تفصل هذا عن ذاك.
إذن: فهم حين خطلوا العمل الصالح والعمل السَّيِّئ، لم يجعلوا من العمل الصالح والعمل السَّيِّئ مزيجاً واحداً.
لكن العمل الصالح ظل صالحاً، والعمل الفاسد ظل فاسداً.
وقوله سبحانه:{عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} كلمة {عَسَى} معناها الرجاء وهو ترجيح حصول الخير. وهو لون من توقع حصول شيء محبوب. والرجاء يخالف التمني؛ لأن التمني هو أن تحب شيئاً وتتمنى أن يكون موجوداً، لكنه لا يأتي أبداً، مثل قول الشاعر:
ألا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوْماً ... فَأخبِرُه بِمَا فعلَ المشِيبُ
إنه قد تمنى أن يعود شبابه، وهذا دليل على أن فترة الشباب محبوبة، لكن ذلك لا يحدث. إذن: فإظهار الشيء المحبوب له لونان: لون يتأتى، ولون لا يتأتى، فالذي يتأتى اسمه (رجاء) ، والذي لا يتأتى نسميه (التمني) ، مثل قول الشاعر: