أما كيف تنمّي صاحب المال؟ أنت إن أخذت منه وهو قادر، معنى ذلك أنك تطمئنه أنه إذا احتاج فستعطيه، وبهذا يعرف أنه لا يعيش في المجتمع بمفرده، ولا يخاف أن يضيع منه المال، واطمأن لحظة أن أخذت منه المال وهو قادر كي تعطي المحتاج، فكأنك تطمئنه وتقول له: أنت لو احتجت فلن تضيع، وبذلك تُنمِّي تواجده وثقته، وطهرته أيضاً من أن يكون في ماله شبهة، هذا من ناحية صاحب المال.
أما من ناحية المال نفسه، فالصدقة تطهر المال؛ لأن المال قد يزيد فيه شيء فيه شبهة فالزكاة تطهره.
وقد يخيل إليك أنك حين تأخذ من المال فهو ينقص، عكس الربا الذي يزيد المال، فالربا مثلاً يحقق زيادة للمائة جنيه فتصبح مائة وعشرة مثلاً، أما المزكِّي فالمائة جنيه تصير سبعة وتسعين ونصفاً، والسطحي يرى أن الزكاة أنقصت المال وأن الربا يزيده، ولكن هذا بمقاييس البشر، لا بمقاييس من يملك الأشياء؛ فالزكاة التي تعتبرونها نقصاً تنمّي، والربا الذي تعتبرونه ينمّي إنما يُنقص، والحق يقول:{يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات ... }[البقرة: ٢٧٦]
إذن: فهناك مقاييس عند البشر، ومقاييس أخرى عند الحق، فما رأيته منقصاً لك، هو عند الله زيادة، وما رأيته مزيداً لك، هو في الواقع نقصٌ، كيف؟ لأن الناس لا ينظرون إلا إلى رزق الوارد الإيجابي، ويظنون أن هذا هو الرزق، ولا يتذكرون أن هناك رزقاً اسمه «رزق السلب» ، فرزق الإيجاب قد يزيد دخلك مثلاً من مائة إلى مائة وعشرة.