وهكذا كان صدق عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فكرر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ القول:» لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه «فعلم عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حازم في هذه القضية الإيمانية، وعلم أن الحب المطلوب ليس حب العاطفة، إنما هو حب العقل، وهناك فرق بين حب العاطفة وحب العقل؛ فحب العاطفة لا تكليف فيه، لكن حب العقل يأتي بالتكليف.
وعلى سبيل المثال: فأنت تحب ابنك بعاطفتك، حتى وإن لم يكن ذكيّاً، لكنك تحب بعقلك ابن عدوك إن كان ذكيّاً وأميناً وناجحاً. وضربنا المثل من قبل وقلنا: إن الإنسان قد يحب الدواء المرّ؛ لأن فيه الشفاء، والإنسان لا يحب هذا الدواء بعواطفه، ولا يتلذذ به وهو يشربه، بل يحبه بعقله؛ لأن هذا الدواء قد يكون السبب في العافية، وإن لم يجده في الصيدليات يغضب ويشكو، ويسرّ بمن يأتي له به من البلاد الأخرى.
إذن: فالذين تخلفوا عن رسول الله من أهل المدينة أو ممن حولهم ما كان لهم أن يتخلفوا؛ لأن هذا يناقض إيمانهم في أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحب إليهم من أنفسهم، وكان من الواجب أن يرغبوا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن أنفسهم، أما أن يكون الأمر بالعكس، فلا. لأن اتباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إنما يأتي لهم بالخير.
أما اتباع حبهم لأنفسهم فهو حب ضيق البصيرة، سيأتي لهم بالشرور،