وهذا هو معنى قوله تعالى:{فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} . ثم تمضي الآية {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} أي نشر فيها كل ما يدب على الأرض، و {وَتَصْرِيفِ الرياح} ومعنى التصريف هو التحويل والتغيير، أي توجيه الرياح إلى نواح مختلفة سواء إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، وهذا الاختلاف لم يجعل للهواء مساراً رتيباً، وعندما نتأمل عملية الاستطراق في الهواء نجد أنها تعطي اعتدالا مزاجيا للهواء، فمرة يأتي من ناحية حارة؛ ليهب على المناطق الباردة، ومرة يأتي من المناطق الباردة؛ فيهب على المناطق الحارة، وهذا التصريف نعمة من نعم الله، فلو كانت الرياح ثابتة لصارت مرهقة للبشر.
ونحن نسمع عن أسماء الرياح مثل الصبا والدابور، وريح الشمال، وريح الجنوب، والنكباء، والزعزع، والصرصر، وساعة تسمع كلمة {الرياح} بصيغة الجمع، فلنعم أنها للخير، وإن جاءت «ريح» بصيغة المفرد فلنعلم أنها عقيم ضارة. مثل قوله الحق:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} ، لكن هذه القاعدة كسرتها آية واحدة في قوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}[يونس: ٢٢]
لماذا؟ . لأن الريح لو اختلفت على السفينة لكانت كارثة؛ فكان لابد أن تأتي الرياح إلى السفينة من اتجاه واحد، ولذلك لم يترك الله كلمة «ريح» مطلقة، وإنما وصفها بأنها ريح طيبة. وفي قول آخر يقول الحق سبحانه وتعالى:{وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ}[يونس: ٢٢]
إنه سبحانه يلفتنا إلى قدرته، حتى لا يعتقد أحد أن الله خلق الخلق وخلق لهم قانونا ثم تخلى عن حكمهم، لا، إنه سبحانه هو ما يزال قيوم السماوات والأرض وله مطلق القدرة